هكذا كتب الراحل "أحمد بهجت" في رائعته (الله في العقيدة الإسلامية – رسالة جديدة في التوحيد) عندما أراد أن يصف حال الكون قبل ميلاد الزمان والمكان

ماقبل الزمان والمكان | رحلة وراء أستار الغيب

رحلة وراء أستار الغيب

الزمان والمكان

الزمان كان خاليا من الزمان..

والمكان كان خاليا من المكان..

هكذا كتب الراحل "أحمد بهجت" في رائعته (الله في العقيدة الإسلامية – رسالة جديدة في التوحيد) عندما أراد أن يصف حال الكون قبل ميلاد الزمان والمكان، وقبل خلق الإنسان..

وبصرف النظر عن منطقية لفظة (قبل) هنا؛ فهذه هي أقصى قدرات عقولنا في التعبير عن زمان سبق ميلاد الزمان نفسه.. فالراحل العبقري "أحمد بهجت" قد صاغ تلك الحالة ببساطة اعتاد عليها الأدباء.

اقرأ أيضا: كهوف تاسيلي الغامضة | قصص من الخيال في الصحراء الكبرى

بالفعل..

فالزمان كان خاليا من الزمان..

والمكان كان خاليا من المكان..

الكاتب الراحل أحمد بهجت

البداية

البداية التي تدركها عقولنا المحدودة؛ هي ما أعقب الانفجار العظيم The Big Bang .. ذلك الانفجار الذي وُلدت معه الحركة ومن ثمّ الزمن، وتسبب في وجود الحياة..

كل الحياة.

أما ما سبق تلك اللحظة (لحظة الانفجار العظيم)؛ فكان غيبا يستتر في غياهب القدر المظلمة..

غيبٌ؛ يستمر كاتبنا في وصف حالته ببساطة متناهية:

الكون كله ظلمة..

ضباب ولا ضباب..

نجوم ولا نجوم..

شمس ولا شمس..

أرض ولا أرض..

حياة ولا حياة..

اقرأ أيضا: أحداث الحرب العالمية الثانية بالألوان | وثائقي من إنتاج نتفليكس

يا إلهي.. ماهذا الغموض؟!

ما هذا السر الرهيب؟!

ما هذه الأغوار السحيقة؟!

نحن نتحدث بالفعل عن أشياء وأحداث مجهولة تماما..

مظلمة للغاية..

شعاع الضوء الذي ينير طريقنا فيها هو بعض التصورات التي تقدّمها لنا الأديان السماوية؛ فلا نملك – كمؤمنين بها – إلا التصديق.

قبل وجود الوجود كان الله..

وحده..

وبكلمة منه صار العدم وجودا..

حرفان فقط؛ تحول بهما الفراغ إلى كون تسبح فيه مليارات النجوم والمجرات والأجرام..

وغدا الزمان والمكان..

فقط كان أمره : "كن"..

 أرقام فلكية

هل تعلم عزيزي القارئ لم سُمِّيَت الأرقام الهائلة بالأرقام (الفلكية)؟!

إذن؛ تعال معي لنخوض هذه الرحلة عبر الزمان والمكان..

وعند نهايتها؛ ستدرك تماما أن كل الأرقام التي سمعتها طوال حياتك لا تساوي شيئا.

رحلة تحققت عبر الزمان والمكان (الزمكان) مع مرصد (هابل) الفضائي

في الرابع والعشرين من شهر أبريل عام 1990م؛ قام المكوك الفضائي ديسكفري Discovery بالمهمة STS-131 لإطلاق مرصد (هابل) الفضائي في مداره المقرر له خارج الغلاف الجوي للأرض.

اقرأ أيضا: فيلم الجحيم Inferno | أفكار عن الفيروسات واليمين المتطرف ونهاية العالم

تلك الرحلة التي أعطت البشر - بدون سفر - مزية التجول عبر الزمان والمكان في جنبات الكون الشاسع..

تماما كما فعل "آينشتاين" بمساهماته (النظرية النسبية ونظرية الموجات الثقالية على سبيل المثال) التي ساعدت العلماء في فهم طبيعة الكون والمادة وعلاقته بـ الزمان والمكان..

تلسكوب هابل

صور بعدسة هابل

لقد أعطى المرصد الفضائي العملاق الفرصة لرؤية ما لم ترصده التلسكوبات الأرضية؛ داخل مجموعتنا الشمسية..

مثل الشفق القطبي الفريد لكوكب (زحل).

الشفق القطبي لكوكب زحل

والنقاط البُنيّة على سطح كوكب (المشتري) في نصفه المداري الجنوبي؛ والتي اتضح أنها لكويكب سُمِّي شوميكر ليفي Shoemaker - Levy.

كويكب Shoemaker Levy

كما أتاح لنا التلسكوب - لأول مرة - رؤية الكثير والكثير من معالم الكون المُعجِز الذي تختبئ مجراته وأجرامه وراء ستائره السوداء..

سيل من الصور الساحرة نُشرت ولا زالت تُنشر؛ بطلها هذا المرصد الرائع الذي يدور في السماء..

فهاهو سديم (هيليكس) أو اللولب الناتج عن نجم مات قديما..

سديم اللولب

وهذه عواميد الخلق أو سديم (النسر).. منظر آسر للخيال بروعته.. إنه سديم تُولد فيه النجوم..

أعمدة (عواميد) الخلق

رأينا بواسطة (هابل) زوج من المجرات تتلاقيان وتلتفان حول بعضهما البعض حتى التمزّق.. وبسبب هذا التداخل بينهما سمّيتا (الفأرتان).

وفي أحد رحلات عدسة التلسكوب لالتقاط الأعاجيب في الكون الفسيح.. وبعد مرورها على ألمع نجوم السماء.. نجم (الشعرى) الذي قدسه القدماء أو سيريوس 

الفأرتان

Sirius بلغة العلماء الآن.. استطاع (هابل) أن يسبر أغوار حزام (أوريون) في قلب كوكبة أو برج (الجبار)، والمكون من نجوم ثلاثة؛ أقرب هذا التشكيل الثلاثي إلى الأرض نجم يبتعد حوالي 800 سنة ضوئية (السنة الضوئية الواحدة = أكثر من 6 تريليون ميل وهي المسافة التي يقطعها شعاع من الضوء في عام كامل)..

التقط هابل مايحدث داخل السديم الوردي الذي يظهر خلف حزام أوريون.. إنها صور لم يسبق للإنسان رؤيتها من قبل عبر الزمن..

واد شاسع يمتلئ بالغيوم.. لكي يعبره أي كائن يجب عليه أن يجتاز حوالي 90 تريليون ميل عبر الزمان والمكان.

سديم أوريون

يعمل هذا الوادي كحاضنة تمتلئ بالنجوم التي تكوّن طاقة رهيبة، ينتج عنها رياح تدور بسرعة تتجاوز خمسة ملايين ميل في الساعة.. يتشكَّل بفعل هذه الرياح فراغ عملاق في قلب الغيوم، فتعطينا صورة عما يحدث لهذه النجوم..

اقرأ أيضا: مسلسل دارك Dark | دراما تطرح أسئلة محظورة وإجابات مستحيلة

نجم ضخم يتوسط الفراغ.. ونجوم حوله.. كل منها يحيطه ما يشبه الشرنقة..
داخل كل شرنقة نظام شمسي لازال في طَوْر التكوين..

استطاع (هابل) أن يرتحِل في الكون عبر عدسته، فتجاوز حواف مجرتنا (درب التبانة Milky Way) وسُدُمها الرائعة.. ثم رحل بعيدا بعيدا ليعطينا صورة لجارتنا الكونية الحلزونية التي تبتعد عنا حوالي نصف مليون سنة ضوئية.. مجرة (أندروميدا Andromeda)..

مجرة أندروميدا

وبعد مرور (هابل) على مجموعة مجرات (فيرجو) التي تتألّف من 2000 مجرة؛ استمرت الرحلة قاطعة ملايين السنين الضوئية، حتى وصلنا - أو كدنا نصل - لبدايات نشأة الكون..

بالفعل؛ استطاع (هابل) أن يرينا أمثلة لصور المجرات البعيدة في قلب الكون أثناء نشأته الأولى.. منذ ما يقرب من عشر مليارات من السنين..

عشر مليارات؟!

لا تتعجب؛ فالرقم صحيح..

وأزيدك هنا أننا نبتعد عن لحظة الانفجار العظيم بنحو 14 مليار سنة كاملة بحسابات الزمن..

اقرأ أيضا: ما بين العزلة والوحدة | (تغريدات) إيمان علي

نعم..

أربعة عشر مليار سنة مروا منذ تلك اللحظة الفريدة..

لحظة ميلاد الكون الذي نعرفه..

هذا الكون الذي لايستطيع أحد تقدير عدد مجراته وشموسه في دقة..

مليارات المليارات من الأجرام المتنوعة..

كلُّها يمر بلحظات ميلاد، وموت..

كما تحكمها قوانين وقوى (مثل الجاذبية) تحدد مسار حياتها..

وبين اللحظتين مسار طويل، ومسافات لا يمكن تقديرها بأي حال..

هل أدركت معنى الأرقام الفلكية إذن؟!

الكون المعجز

وراء أستار الغيب

بدايات تعقبها بدايات..

الفعل كان انفجار ذرة صغيرة للغاية.. ذرة بلا وزن تحمل كتلة الكون كله..

فأجرام عملاقة تُولد، ثم أجرام أصغر تتبعها في صمت أحيانا، وأحيان أخرى في صخب وعنف..

الكون حركة دائبة دائمة..

يتمدد بتسارع غير معروف نهايته أو مكان ثباته..

ويربط نسيجه قُوى عملاقة بمقادير وحسابات؛ لا مجال فيها لأخطاء البشر..

اقرأ أيضا: ألبرت آينشتاين | واضع نظرية النسبية والعاشر في قائمة الخالدين

قبل بداية وميلاد الكون لايوجد أي تصور حقيقي عن الزمان والمكان غير ماتُقدّمه ديانات السماء..

حقيقة؛ للغيب أستار وأبواب..

مفاتيحها لايملكها إلا من خلقها..

الإله الخالق القوي القادر..

هذا الخالق العظيم الذي أعطانا بعضا من حقائق الماضي القديم..

الأقدم من الزمان نفسه..

فقبل هذا الزمان المجهول كان الله..

كان قبل خلق أي شيء..

قبل البشر، والجماد أو الدهر نفسه..

ثم كان أمره..

فكان كل شيء..